الثقة بين الناس عامة وبين الآباء والأبناء خاصة شيء مهم للغاية، وعلى مدار التاريخ كان الناس ينظرون إلى الثقة بينهم على أنها جزء عزيز من رأس مالهم الاجتماعي، وينظرون لفقدها على أنه موحش ومؤذ.
كما أن الناس تعلموا من تجاربهم الخاصة أن الأشخاص الموثوقين جدا، هم قليلون جدا، وتعلّم الآباء من خلال تجاربهم مع أبنائهم المراهقين أن الثقة المطلقة بهم لا تكون عاقبتها سوى المفاجآت المحزنة والصدمات المزعجة وأحيانا المدمرة!
ليس المطلوب من الأبناء وحدهم أن يكونوا أهلا للثقة، بل لابد أن يكون الآباء والأمهات كذلك، لأنهم يقدّمون القدوة لهم، ولا أدري كيف يمكن لمراهق أن يتصرف تصرفات مسؤولة، وكيف يمكن أن يكون عند حسن ظن أبيه، إذا كان أبوه لا يلتزم الصدق فيما يقول، ولا يفي بالوعود التي يقطعها على نفسه لأبنائه، ويحجب عنهم كل المعلومات المتعلقة بعمله وعلاقاته خارج المنزل؟
الشيء الذي لا ينبغي أن يغيب عن البال هو أن الإنسان لا يكون موثوقا إلا إذا كان يملك قدرا عاليا من الشعور بالمسؤولية، ومن هنا فإن الحديث عن بناء الثقة بين الآباء والأبناء، هو في الحقيقة حديث عن الشعور بالمسؤولية لدى الطرفين.
ولعلي أشير بإيجاز إلى ما هو مطلوب لهذا وذاك عبر المفردات الآتي:
1- من المهم قبل أن نعلّم المراهق كيف يكون موثوقا أن نكون نحن موضع ثقته، وهذا يكون من خلال الآتي:
• الصدق في التعامل، وتنفيذ الوعود التي نقطعها له.
• حفظ أسراره، وعدم إفشائها لا تصريحا ولا تلميحا.
• اعتماد المصارحة مبدأ ثابتا، في مناقشته في شئون الأسرة.
• بُعد الأب عن الادعاء، والمبالغة في الفضائل والإنجازات الشخصية.
• الاعتذار للمراهق عند الوقوع في خطأ لا يقبل الجدل.
• الاستقامة الأخلاقية العامة تجعل الشخص ذا مصداقية حسنة، ومن المصداقية تولَد الثقة.
2- يتم بناء ثقة الآباء بالأبناء على نحو تدريجي، فابن السابعة – مثلا - لا يكون أهلا لثقة الأهل بسبب ضآلة إمكاناته، وبسبب قصوره في فهم مسؤولياته، وضعفه في التفريق بين الخطأ والصواب والإيجابي والسلبي، ومع الأيام ينمو كل ذلك ويتحسن، وتتحسن معه ثقة الأبوين به.
والحقيقة أن ثقة الآباء بأبنائهم المراهقين كثيرا ما تكون مهزوزة، بسبب الكذب أو السرقة أو الاستغلال للآخرين أو النقص في تحمل المسؤولية أو النقص في التدين والاستقامة السلوكية، ويعبر عن هذه المشاعر أحد الآباء الذين يعانون في تربية أبنائهم إذ يقول: تطلب زوجتي مني أن أعامل ابني بثقة.
فهو بالغ وعاقل وقادر على إنجاز الكثير من الأمور، لكنني لا أرى ذلك لأسباب كثيرة، فابني مع أنه في الخامسة عشرة سريع الغضب، وإذا رفضت له طلبا بكى وصاح وانفعل، ولهذا فأنا لا أسمح له بأن يقود سيارة الأسرة، لأنه إذا غضب وهو خلف مقود السيارة.
فقد يتسبب في حادث مروّع، وابني برغم اجتهاده في المدرسة وتفوقه إلا أنه لا يُعتمد عليه في قضاء حاجاته الشخصية فضلا عن قضاء حاجات البيت، تصوروا أنه لا ينظف أسنانه إلا إذا قمت أنا أو أمه بتذكيره.
ويقول أيضا: في مرات كثيرة قال لي ابني: أنا ذاهب إلى صديقي فلان حتى أذاكر معه للامتحان، وحين أسأل صديقه يقول: لم أره اليوم، ويتبين أنه ذهب مع صديق آخر إلى السوق، فكيف أثق به؟!
3- من المهم أن نتذاكر في الأمور التي تقوّي صلتنا بأبنائنا المراهقين، ومن المهم أن نشرح لهم ما الذي عليهم أن يفعلوه حتى نعاملهم على أنهم موثوقون، ومع أن كثيرا من الشكوك والظنون السيئة.
وكثيرا من المشاكسات سوف ينتهي مع الأيام، إلا أنه ليس هناك أي مسوّغ لأن يعيش الإنسان عشرين سنة من عمره في عراك مع كل واحد من أبنائه الخمسة من وقت دخولهم في طور المراهقة إلى أن يصبحوا شبابا.
ما الذي ترى علينا أن نشرحه للمراهقين حتى ننمي لديهم الشعور بالمسؤولية تجاه تصرفاتهم، وحتى يصبحوا بالتالي في نظر الكبار موثوقين؟
الحقيقة أن ما يمكن أن يقال كثير، لكن حسبي أن أشير إلى الأمور التالية:
• العشوائية مؤذية جدا في التعامل مع المراهق، فمن المهم أن تكون العلاقة معه واضحة ومنظّمة، ولاسيما ما يتعلق بالثواب والعقاب، إن من المهم أن يعرف المراهق بالضبط المكافأة التي تنتظره إذا أنجز ما هو مطلوب منه على نحو جيد، وأن يعرف المراهق بالضبط العقوبة التي ستناله حين يقع فيما هو محظور عليه.
• يجب أن يعرف المراهق أن الحياة ليست سهلة، وأنه ليس هناك حياة أسرية صحيحة خالية من كل القيود والشروط، المهم ألا نقرر العقوبة بعد وقوع الخطأ مباشرة لأن هذا يجعل الفتى يشعر بأن معاقبته ليست سوى انتقام منه، لكن حين تكون الأمور واضحة من قبل، فإنه يتلقى العقوبة، وهو يوبخ نفسه؛ لأنه حين أخطأ كان يعرف أنه سينال جزاء خطئه.
• المبالغة في تدليل المراهق وتلبية طلباته تجعل منه شخصا اتكاليا، وتنمّي لديه الشعور باللامبالاة، وهذا يجعل شعوره بالمسؤولية ضعيفا، ولذا من المهم أن يسهم في تنظيف المنزل، وأن يساعد أباه في بعض الأعمال، وأن يقوم بخدمة نفسه في كثير من الأمور، وهذا هو الذي يجعل منه شخصا مسؤولا، ويمكن الاعتماد عليه.
• إن إبداء الملاحظات الكثيرة على سلوك المراهق، والإكثار من طلب الخدمات منه، يسبّب له إزعاجا بالغا، وقد يحمله على الكذب من أجل الدفاع عن نفسه، وهذا كله لا يساعد على تنمية شعور أبيه نحوه بالثقة، ومن هنا كانت علاقة المحبة والمودة مع الإشارة بطريقة غير مباشرةـ ما أمكنـ إلى أخطاء المراهق.. . من الأمور التي تساعد على بناء الثقة به.
ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
الكاتب: سيد العتمي (بتصرف)
المصدر: موقع إسلام ويب